دراســة رسـالــة بــوليـنيــاك
نص رسالة بولينياك إلى ملوك وأمراء أوروبا
إلى الدوق دي لافال السفير الفرنسي بلندن
سيدي الدوق،
سيدي الدوق،
في اللحظة التي يغادر فيها فرنسا الأسطول الذي يحمل جيشنا إلى إفريقيا، يشعر
الملك بالضرورة لإعلام حلفائه بشعوره العميق بعلاقات الاهتمام والصداقة التي
تلقاها منهم أثناء المنعرج الهام للظروف التي سبقت إقلاع الحملة الموجهة ضد الجزائر.
إن جلالته قد طلب موافقتكم بثقة كاملة، وقد يقال أمام الرأي العام بأنه
قد عالج مشكلة كان يعتقد أنه من المناسب أن يجعلها معروفة بكل أوروبا. وقد استجاب
حلفاؤه بثقة ومنحوه رضاهم وتشجيعهم وهي حقيقة ستجعله يذكر موقفهم مادام حيا.
ولكي يرد على هذه المعاملة
المخلصة والصديقة، رغب جلالته الآن في طرح الباعث والهدف إلى الحملة التي يعدها
ضد ولاية الجزائر أمام حلفائه مرة ثانية في اللحظة التي يقلع فيها الأسطول
الفرنسي. إن هناك مصلحتين متمايزتين
بطبعهما، ولكنهما متصلتان اتصالا وثيقا قد أدتا إلى الاستعدادات التي جرت في
موانئنا، إحداهما تخص فرنسا بالدرجة الأولى وهي: الثأر لشرف رايتنا، والحصول على
تصحيح الأخطاء التي كانت السبب المباشر في النزاع، وللمحافظة على ممتلكاتنا من
الاعتداءات وأعمال العنف التي تعرضت لها في كثير من الأحيان ثم الحصول على تعويض
مالي، بالقدر الذي تسمح له دولة الجزائر على مصاريف الحرب التي لم نتسبب فيها، أما
المصلحة التانية التي تهم البلاد المسيحية عامة فهي إلغاء نظام الرق والقرصنة ودفع
الجزية التي مازالت أوروبا تدفعها إلى ولاية الجزائر...
باريس، 12 ماي 1830 م
المرجع: أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، الجزء الأول، ص 267 – 268
أولا - مرحلة تقديم الوثيقة
- تحديد طبيعة الوثيقة: وثيقة تاريخية في شكل رسالة دبلوماسية
- تحديد مصدرها: رسمي، مأخوذة من كتاب آراء وأبحاث في تاريخ الجزائر لأبي القاسم سعد الله، الجزء الأول، الطبعة 3، ص (267-268).
- التعريف بصاحبها: هو رئيس الوزراء الفرنسي جول أرمان أوغسط ماري دي بولينياك (1780 - 1847م)، تولى هذا المنصب في عهد الملك شارل العاشر الذي عينه وزيرا للشؤون الخارجية في 8 أوت 1829 م، ورئيسا للمجلس في نوفمبر الموالي. صادقت حكومته على مشروع الحملة العسكرية على الجزائر في 31 جانفي 1830 م، وشارك بفعالية في الدعاية الدبلوماسية لدعم جهود دولته. بعد تنازل شارل العاشر عن العرش، حكم على بولينياك بالسجن المؤبد، ثم بالنفي إلى انكلترا، بعدها بسنوات سمح له بالعودة إلى باريس والتي مكث فيها إلى غاية وفاته، وقبلها بشهر كان قد حصل على لقب الدوق بولينياك.
- الإطار الزماني والمكاني: 12 ماي 1830 م، بالعاصمة الفرنسية باريس.
ثانيا - مرحلة تحليل الوثيقة
- الفكرة العامة: طرح بولينياك للباعث والهدف من الحملة الفرنسية على الجزائر
- الأفكار الجزئية:
إعلام بولينياك حلفاء فرنسا بانطلاق الحملة العسكرية نحو الجزائر وإعرابه عن امتنان ملكه لموقفهم المساند
ف 2: [ولكي يرد..........................ولاية الجزائر]
إبراز الأهداف المسطرة والمصالح الفرنسية والأوروبية المراد تحقيقها من الحملة.
- شرح المصطلحات:
الدوق: لقب شرف يطلق على من هو ذو مرتبة عالية ويعني الشخص النبيل
الحلفاء: الدول الأوروبية المساندة لفرنسا في قرار حملتها العسكرية ضد الجزائر
الرأي العام: رأي الأغلبية إزاء قضية معينة
الجزية: الضريبة التي تدفعها الدول الأوروبية للجزائر مقابل حماية سفنها في الحوض المتوسطي تنفيذا لمعاهدات مبرمة بينهم
القرصنة: الأعمال العدائية المرتكبة في البحر المتوسط ضد طاقم وحمولة السفن الأوروبية
الحلفاء: الدول الأوروبية المساندة لفرنسا في قرار حملتها العسكرية ضد الجزائر
الرأي العام: رأي الأغلبية إزاء قضية معينة
الجزية: الضريبة التي تدفعها الدول الأوروبية للجزائر مقابل حماية سفنها في الحوض المتوسطي تنفيذا لمعاهدات مبرمة بينهم
القرصنة: الأعمال العدائية المرتكبة في البحر المتوسط ضد طاقم وحمولة السفن الأوروبية
- طرح الإشكالية: هل كانت الدوافع التي ذكرتها الرسالة حقيقية وكافية لإعلان الحرب على الجزائر؟ أم أنها مجرد ذرائع اختلقتها فرنسا لتبرير حملتها وتجسيد فكرة الاحتلال وهناك أسباب أخرى؟
- شرح المضمون: هذه الرسالة وجهها رئيس الوزراء بولينياك إلى السفير الفرنسي بلندن الدوق دي لافال، وإلى كل السفراء الفرنسيين بباقي العواصم الأوروبية، يخاطب من خلالها الأمراء والملوك ، ليعرب لهم عن امتنان ملكه شارل العاشر لمساندتهم فرنسا في قرار حملتها على الجزائر، ويبين فيها الغرض من الاستعدادات الحربية الجارية ويشرح الأسباب التي دفعت بلاده للإقدام على هذه الخطوة العسكرية، حيث أنه ربطها بمصلحتين متمايزتين، الأولى فرنسية وهي الثأر لشرف فرنسا المهان خلال حادثة المروحة ورفض الداي حسين الاعتذار للحكومة الفرنسية، والحصول على ضمانات ضد أعمال العنف والاعتداءات التي تعرضت لها ممتلكاتها، وأيضا التعويض عما خسرته خلال حرب لم تكن هي المسببة لها، والثانية أوروبية تهم البلاد المسيحية بأسرها وهي تكفل دولته بالقضاء على الأسطول الجزائري الذي يمارس القرصنة البحرية على الأساطيل الأوروبية وإنهاء هيمنته على حوض البحر المتوسط وتخليصهم من دفع الإتاوات (الجزية)، بالإضافة إلى إلغاء نظام استرقاق المسيحيين، وتحرير الأسرى الأوروبيين.
ثالثا - مرحلة الاستنتاج
تعتبر رسالة بولينياك وثيقة تاريخية هامة، تعكس سياسة التضليل التي انتهجتها فرنسا لإخفاء نيتها الحقيقية في احتلال الجزائر والقارة السمراء، الحلم الذي خططت له منذ عهد نابليون بونابرت، ليكون امتدادا للحروب الصليبية على الإسلام والمسلمين، فهذه الرسالة لم تكن إلا ستارا أخفت خلفه أطماعها الاستعمارية التوسعية، وحاولت من خلالها مجاملة الدول الأوروبية عامة، وبريطانيا خاصة، كونها المعارضة الوحيدة، حتى تكسب تأييدها وتحشد دعمها وتتجنب منافستها. كما أرادت فرنسا أن تعطي للحملة طابعا دينيا وتبرز نفسها بصفة الحامي للمذهب الكاثوليكي و المدافع الأول عن الكرسي البابوي في العالم المسيحي، مستغلة المشاعر الدينية لتوظيفها لفائدة مشروعها الاحتلالي. وتمكنت بنجاح من تعبئة الرأي العام الفرنسي قبل العالمي، وإقناعه بذرائع وأسباب واهية يمكن تلخيصها حسب ما جاء في الرسالة فيما يلي:
الأسباب المباشرة (غير الحقيقية) للحملة الفرنسية على الجزائر
- الثأر لشرف فرنسا المهان خلال حادثة المروحة ورفض الداي حسين الاعتذار رسميا للملك شارل العاشر وشعبه.
- القضاء على أعمال القرصنة البحرية والتخلص من دفع الجزية وإلغاء الاسترقاق والعبودية.
- قيام الداي حسين بهدم حصون المؤسسات الفرنسية لصيد المرجان بسواحل القالة وعنابة
- تعرض السفينة الدبلوماسية الفرنسية "لابروفانس" في 03 أوت 1829 م لنيران المدفعية البحرية الجزائرية بسبب اقترابها من الحصون الحربية
بالإضافة إلى الأحداث التي سبقت قضية المروحة:
- رفض الداي التوقيع على وثيقة مقررات مؤتمر إكس لاشابيل (Aix la chapelle) في سبتمبر 1819م وعدم استجابته للإنذار الأوروبي
- إنهاء الداي حسين للإحتكار الفرنسي لصيد المرجان بالساحل الشرقي سنة 1826 م والسماح لكل الأجناس بممارسة هذا النشاط
- توجيه الداي حسين لبرقية شديدة اللهجة فيها احتجاج على الحكومة الفرنسية التي لم تسدد ديونها
- حجز الأسطول الجزائري للباخرة الفرنسية في ميناء عنابة دون إعطاء مبرر لذلك.
- قيام الأسطول الجزائري بتفتيش السفن الفرنسية خارقا بذلك معاهدة الهدنة (1826-1827م).
إرسال تعليق